استطاع الديك (الأفرق الأزرق)[1] أن يكونَ فاعلاً و مؤثرًا في الغابة ‘ بما يقدمه من خدمات لأفرادها ‘ و خصوصاً الوحوش الضارية ‘ و على رأسها ( أسد الغابة ) ‘ فخدماته تتمثل في إيقاظهم الصباح الباكر للعمل يومياً ‘ و الصياح‘ و إعلان النفير عند وجود أي خطر يهدد سكان الغابة ‘ و يطربهم في حالات السلم و المرح ‘ و يغني أغاني المديح والحماسة للوحوش . وبهذه الخدمات جعل من نفسه رقما مهما في الغابة . فهو يقوم بتوزيع هذه المهام على حظيرته التي تأتمر بأمره باعتباره شيخ الدجاج في كل الغابة.
بمرور السنوات و في الوقت الذي يتقدم بالديك العمر ‘ برز في الغابة بعض شباب الديَكة ‘ الذين يؤدون هذه المهام بإبداع و إتقان‘ نال إعجاب وحوش الغابة و خصوصاً الأسد الذي عبَر للديك الأفرق عن إعجابه بذلك ‘ مما جعل الديك يغار من هذه الديَكة ‘ و من إبداعاتها ‘ و من نجاحها.
حاول الديك الأفرق أن يلمح لهم‘ بل و يصرح بعدم رضاه و اعتبر ذلك تمردا وتطاولا على سلطانه ‘ قام بتحذيرهم من مغبة عقوبة صارمة‘ إن استمروا في عصيانهم ‘ و تمردهم. فما عليهم إلا أن يؤدوا مهامهم ‘ في صمت و تحت إمرته ‘ إلا أن بعض الديَكة الشابة الطموحة أبت إلا الاستمرار في إبراز مواهبها‘ تدفعها في ذلك طاقاتها الشابة المتفجرة ‘ فهي تُسّوق إبداعاتها ‘ في سوق العمل‘ لتشق طريقها فيه من جهة ‘ و من جهة أخرى تسعى هذه الديَكة إلى التحرر من القبضة الحديدية‘ التي يمارسها عليهم الديك الأفرق باعتباره الممثل الوحيد ‘و ديك الديَكَة.
تركهم الديك في عزلة تامة عن كل الغابات من حوله و استعدى كل من حوله وعمد على تجويع الحظيرة وتبديد ثروتها التي أنفقها على مشاريع فاشلة لا تعود بنفع على الحظيرة ‘ يقترحها عليه عُسيق‘ ومما زاد الطين بِِِلةً أن أحد الديَكة فاز في مسابقة ‘ مثّلَ الغابة في الألحان الشجية التي أصبحت جميع الحيوانات ترددها بما فيها أسد الغابة نفسه .
ظل الديك الأفرق يبحث عن حيلة و وسيلة ليقمع ما اعتبره تحديات لسلطانه و عزه الذي يخشى أفوله من منافسات هذه الديَكة المتمردة . أخذت هذه الأفكار تسيطر عليه حتى أنها حدَّت كثيراً من نشاطه‘بل وأظهرته أكثر شيخوخة. إن الحيلة لا تسعفه لصنع شيء حيال هذه المنغصات.
في يوم من أيام الصيف الحار التي انعدم فيه النسيم ‘ حتى بدت أشجار الغابة لا يتحرك فيها غصن و كأنها لوحة زيتية لطبيعة صامتة ‘ بلغ بالديك الأفرق الضيق و الهمُ مبلغاً ‘حتى أن لفافة السيجارة لا تفأرق منقاريه .عمد إلى شجرة ظليلة حفر حفرة تحت ظلها ‘ في تربتها الندية‘ و دفن نصفه الأسفل فيها‘كما تفعل الدجاجة عندما تجلس على بيضها ‘ جلس يقلب الأفكار و يحرك رأسه يمنة و يسرة ‘تحيط به سحابة من دخان سيجارته التي لم تجُد الريحُ بنسمة لتزيحها ‘و بينما هو كذلك إذ مر به شيخ الثعالب (عُسيق)[2]. لم ينزعج الديك منه فهو يدرك بأنه يتمتع بحصانة تمنعه من التهامه ‘ ناهيك عن الزمالة و حقوق العيش و الملح بينهما ‘ فهو يعرف أن غُسيقا ًلم يعد متوحشاً بعد أن أُمنَ له عيشه ‘ إنه يعُدَه صديقاً ‘ بالخصوص عندما حذره من مغبة محاولة انقلابية يخطط لها بعض الشباب الديَكة ‘ استوقفه الديك الأفرق قائلاً : أهلاً بشيخ الثعالب .. تفضل ‘ قدم الثعلب و أخذ له مجلساً بجانبه.
بعد أن تبادلا التحية و المجاملة قال الديك لعسيق:
- احتاج إليك في أمر هام.
- ستجدني نعم الصديق… أنني بذلك أرعى صداقة أجدادي لأجدادك.
- ولكن الأمر غاية في السرية .
- لن تجد من يحفظ سرك غيري.
- إذا إقترب مني حتى لا يسمع احدٌ ما أسرك به…قرب عسيق من الديك الذي أسرَه… شرح الديك مشكلته للثعلب الذي كان يهز رأسه وذنبه بحركة الخبير الفاهم بحل المعضلات ‘ بعد نقاش دام لساعة اتفقا على أن يقوم عُسيق يومياً بخنق ديكين أو ثلاثة و يقوم الديك الأفرق بدفنهن في موكب جنائزي مهيب في مكان حدَّده عُسيق في طرف الغابة ‘ وعلى أن يعلن الديك بأن حظيرته منكوبة بأنفلونزا الطيور . أما عُسيق فإنه سيحضر الموكب مواسياً و يجود بدموعه و مراثيه بهذه المناسبة.
التهمَ عُسيق الكثير من ديَكة الغابة الشابة ‘ في حين قام الديك الأفرق بقطع جميع التيجان من الديَكة الصغيرة زاعما بأن ذلك يحصنهم من أنفلونزا الطيور ‘حتى بدت الديكة مثل الدجاج .
مرت الأيام حتى وجد سكان الغابة بأنهم لم يعودوا يرون إلا القليل من الديَكة في غابتهم و أن نشاطهم قد قل كثيراً و لم يعد يُسمع صراخهم .
أدرك ديَكةُ الحظيرة بل و حتى دجاجها بأنه لم تكن هناك أنفلونزا طيور بعد أن شاهدوا عُسيق لعدة مرات و هو يقوم بخنق الديَكة ثم ينبش قبورها ويفترسها مع جماعته بعد ذلك . شَعر أفراد الحظيرة بالخوف من شبح الانقراض‘ الذي بات يهددهم بموت ذكور الحظيرة الذين يعوّل عليهم للذود عن أمن و مصالح الحظيرة. ناهيك عن ما نتج عن ذلك من قلة إنتاج البيض.
ذهب بعض الديَكة للشكوى إلى أسد الغابة فطمأنهم ‘ و لكن النتيجة كانت أن أكلهم عُسيق .
أبقَ [3] بعضُ الديكة إلى الغابات المجاورة طلباً للعون و المساعدة من بني جنسهم لإنقاذ حظيرتهم . مما دفع بعسيقٍ إلى تعقبهم و خنقهم ‘وبنصيحة عُسيق ‘فقد حذّر الديك الأفرق بأن هولا الآبقين من حظيرته ينقلون عدوى أنفلونزا الطيور إلى الغابات الأخرى ‘ لذلك لم يرحب بهم ‘ولم تتم مقابلتهم على الإطلاق في الغابات المجاورة مما اضطرهم إلى العودة مكسوري الجناح إلى غابتهم ‘ليكونوا عيداً للثعالب ‘التي سمنت من أكلهم.
أُضيف إلى الديك الأفرق أعباء جديدة لا تتناسب مع كبر سنه ‘ أصبح مسئولاً مع من بقي من الديَكة في الحظيرة عن العملية التناسلية لتفادي شبح الانقراض و لإنتاج البيض الذي أصبح المصدر الوحيد الذي تعتمد عليه الحظيرة في التعاملات التجارية ‘ فهو عصب اقتصادها ‘ و برغم أن عملية إنتاجه قد قلت نتيجة هذه الظروف إلا أن الطلب عليه قد زاد فأصبح سعره جيداً.
تذمرت إناث الدجاج من ندرة العملية التناسلية و أصبحت الحاشية من الدجاج هي التي تستأثر بذلك دون غالبية الدجاج اللاتي حُرمن ذلك ‘مما شجع عُسيق على إفشاء اتصالات شاذة بينهن‘ مما ساعد على فساد الأخلاق العامة للحظيرة .
لم يعد عُسيق يكتفي بأكل شباب الديَكة بعد أن قل عددهم بل أصبح يأكل كل ما يجد من أفراد الحظيرة.
جعل الدجاجُ يُنظم نفسه في سِرية تامة بعيدًا عن حاشية الديك الأفرق ‘حتى لا تتم تصفيتهم جسدياً بتهمة الخيانة العظمى ‘ تدارسوا خطر الانقراض المُحدق بهم . أصبحت الضرورة تقضى بعمل شي ضروري لإنقاذ الوضع و لكن بما يجنب المزيد من الضحايا فيما بقى من الديَكة .
ذات يوم عندما كان الديك الأفرق في مجلسه المعتاد معتلياً عرشه و قد لبس حلة زاهية الألوان ‘ مصنوعة من الحرير الخالص ‘ زادته خيلاء ‘ كان يستمع إلى المزيد من قصائد الإطراء و المديح التي تُؤلهه ومن حوله حراسته من الإناث اللاتي يشبعهن تنظيرا‘ و هو ينظر إليهنَ من طرفي عينيه اللتين يكاد يغمضهما أثناء حديثه‘ و يقطب جبينه الذي يزداد تعرجا حتى يبدو كمدرجات قاحلة . و بينما هو كذلك زاره عُسيق‘فقام الديك مرحبا بضيفة.
_ أهلا بعسيق …تفضل بالجلوس إلى جانبي
اتخذ عسيق موقعه بجانب الديك ‘غير انه ضاق ذرعا بما يُطرأ به الديك فقال للديك لأعيب في هذا الإطراء ولكن العيب انك تصدق ما يقوله هؤلاء الدجاج المغلوبون على أمرهم للحد الذي تعتقد بالفعل انك طاووس … ما هذه الملابس التي تشبه ملابس الطاووس.
- هل تريد مثلها ؟
- إنني لا أريد إلا أن أكون ثعلبا..وحسبي فخرا أن أكون كذلك ‘ لا أريد أن انتحل هوية غيري مثلك.
- أجل إنك لا تستحق أكثر من أن تكون ثعلبا محتالا.
- عليك أن تخبر حظيرتك بماذا احتلت عليك؟ … أخبرهم أن كان لديك قدرٌ من الشجاعة … كان الثعلب يقول ذلك بتهكم وهو ينظر إلى الدجاج من حوله وقد تبين أن ما على رؤؤسهن هي قبعات مخملية حمراء لا تيجان ديَكة.
- يؤسفني أنني أدركت مؤخرا خساستك.
- الخسيس هو من يتآمر على رعيته. كان الثعلب يقول ذلك وهو منفعل‘ ولم يكن الديك أقل منه انفعالا فقد انتفخت أوداجه‘ وتعرت شيخوخته .
جمع الديك بقايا شجاعته وقوته التي يستمدها ممن حوله ‘وقام بالهجوم على الثعلب مستهدفا عينه ‘ ولكنه لم يتمكن من ذلك. في حين هجم عُسيق على الديك الهرِم ‘ صاح الديكُ مستنجداً بحراسته التي التَفتَ إليها و لكنه لم يجدها بقدر ما وجد القبعات الحمر ملقيُ بها على الأرض حوله‘ أما الدجاج فقد هربنَ ‘ في حين أجهز عليه عٌسيق و التهمه .اتخم عُسيق من أكل الديك‘ حتى انه أصبح بطئ الحركة . هجمت عليه الحظيرة بشكل منظم وجماعي‘ ديكة ودجاج وفراخ وصيصان. حتى مات.
(1) تسمية حضرمية تطلق على الديك مفروق العرف ‘ متعدد الألوان وهو غالبا ما يكون شرس في القتال ويتزعم الحظيرة .
[2] الثعلب بلهجة أهل إب اليمنية
[3] هرب
بمرور السنوات و في الوقت الذي يتقدم بالديك العمر ‘ برز في الغابة بعض شباب الديَكة ‘ الذين يؤدون هذه المهام بإبداع و إتقان‘ نال إعجاب وحوش الغابة و خصوصاً الأسد الذي عبَر للديك الأفرق عن إعجابه بذلك ‘ مما جعل الديك يغار من هذه الديَكة ‘ و من إبداعاتها ‘ و من نجاحها.
حاول الديك الأفرق أن يلمح لهم‘ بل و يصرح بعدم رضاه و اعتبر ذلك تمردا وتطاولا على سلطانه ‘ قام بتحذيرهم من مغبة عقوبة صارمة‘ إن استمروا في عصيانهم ‘ و تمردهم. فما عليهم إلا أن يؤدوا مهامهم ‘ في صمت و تحت إمرته ‘ إلا أن بعض الديَكة الشابة الطموحة أبت إلا الاستمرار في إبراز مواهبها‘ تدفعها في ذلك طاقاتها الشابة المتفجرة ‘ فهي تُسّوق إبداعاتها ‘ في سوق العمل‘ لتشق طريقها فيه من جهة ‘ و من جهة أخرى تسعى هذه الديَكة إلى التحرر من القبضة الحديدية‘ التي يمارسها عليهم الديك الأفرق باعتباره الممثل الوحيد ‘و ديك الديَكَة.
تركهم الديك في عزلة تامة عن كل الغابات من حوله و استعدى كل من حوله وعمد على تجويع الحظيرة وتبديد ثروتها التي أنفقها على مشاريع فاشلة لا تعود بنفع على الحظيرة ‘ يقترحها عليه عُسيق‘ ومما زاد الطين بِِِلةً أن أحد الديَكة فاز في مسابقة ‘ مثّلَ الغابة في الألحان الشجية التي أصبحت جميع الحيوانات ترددها بما فيها أسد الغابة نفسه .
ظل الديك الأفرق يبحث عن حيلة و وسيلة ليقمع ما اعتبره تحديات لسلطانه و عزه الذي يخشى أفوله من منافسات هذه الديَكة المتمردة . أخذت هذه الأفكار تسيطر عليه حتى أنها حدَّت كثيراً من نشاطه‘بل وأظهرته أكثر شيخوخة. إن الحيلة لا تسعفه لصنع شيء حيال هذه المنغصات.
في يوم من أيام الصيف الحار التي انعدم فيه النسيم ‘ حتى بدت أشجار الغابة لا يتحرك فيها غصن و كأنها لوحة زيتية لطبيعة صامتة ‘ بلغ بالديك الأفرق الضيق و الهمُ مبلغاً ‘حتى أن لفافة السيجارة لا تفأرق منقاريه .عمد إلى شجرة ظليلة حفر حفرة تحت ظلها ‘ في تربتها الندية‘ و دفن نصفه الأسفل فيها‘كما تفعل الدجاجة عندما تجلس على بيضها ‘ جلس يقلب الأفكار و يحرك رأسه يمنة و يسرة ‘تحيط به سحابة من دخان سيجارته التي لم تجُد الريحُ بنسمة لتزيحها ‘و بينما هو كذلك إذ مر به شيخ الثعالب (عُسيق)[2]. لم ينزعج الديك منه فهو يدرك بأنه يتمتع بحصانة تمنعه من التهامه ‘ ناهيك عن الزمالة و حقوق العيش و الملح بينهما ‘ فهو يعرف أن غُسيقا ًلم يعد متوحشاً بعد أن أُمنَ له عيشه ‘ إنه يعُدَه صديقاً ‘ بالخصوص عندما حذره من مغبة محاولة انقلابية يخطط لها بعض الشباب الديَكة ‘ استوقفه الديك الأفرق قائلاً : أهلاً بشيخ الثعالب .. تفضل ‘ قدم الثعلب و أخذ له مجلساً بجانبه.
بعد أن تبادلا التحية و المجاملة قال الديك لعسيق:
- احتاج إليك في أمر هام.
- ستجدني نعم الصديق… أنني بذلك أرعى صداقة أجدادي لأجدادك.
- ولكن الأمر غاية في السرية .
- لن تجد من يحفظ سرك غيري.
- إذا إقترب مني حتى لا يسمع احدٌ ما أسرك به…قرب عسيق من الديك الذي أسرَه… شرح الديك مشكلته للثعلب الذي كان يهز رأسه وذنبه بحركة الخبير الفاهم بحل المعضلات ‘ بعد نقاش دام لساعة اتفقا على أن يقوم عُسيق يومياً بخنق ديكين أو ثلاثة و يقوم الديك الأفرق بدفنهن في موكب جنائزي مهيب في مكان حدَّده عُسيق في طرف الغابة ‘ وعلى أن يعلن الديك بأن حظيرته منكوبة بأنفلونزا الطيور . أما عُسيق فإنه سيحضر الموكب مواسياً و يجود بدموعه و مراثيه بهذه المناسبة.
التهمَ عُسيق الكثير من ديَكة الغابة الشابة ‘ في حين قام الديك الأفرق بقطع جميع التيجان من الديَكة الصغيرة زاعما بأن ذلك يحصنهم من أنفلونزا الطيور ‘حتى بدت الديكة مثل الدجاج .
مرت الأيام حتى وجد سكان الغابة بأنهم لم يعودوا يرون إلا القليل من الديَكة في غابتهم و أن نشاطهم قد قل كثيراً و لم يعد يُسمع صراخهم .
أدرك ديَكةُ الحظيرة بل و حتى دجاجها بأنه لم تكن هناك أنفلونزا طيور بعد أن شاهدوا عُسيق لعدة مرات و هو يقوم بخنق الديَكة ثم ينبش قبورها ويفترسها مع جماعته بعد ذلك . شَعر أفراد الحظيرة بالخوف من شبح الانقراض‘ الذي بات يهددهم بموت ذكور الحظيرة الذين يعوّل عليهم للذود عن أمن و مصالح الحظيرة. ناهيك عن ما نتج عن ذلك من قلة إنتاج البيض.
ذهب بعض الديَكة للشكوى إلى أسد الغابة فطمأنهم ‘ و لكن النتيجة كانت أن أكلهم عُسيق .
أبقَ [3] بعضُ الديكة إلى الغابات المجاورة طلباً للعون و المساعدة من بني جنسهم لإنقاذ حظيرتهم . مما دفع بعسيقٍ إلى تعقبهم و خنقهم ‘وبنصيحة عُسيق ‘فقد حذّر الديك الأفرق بأن هولا الآبقين من حظيرته ينقلون عدوى أنفلونزا الطيور إلى الغابات الأخرى ‘ لذلك لم يرحب بهم ‘ولم تتم مقابلتهم على الإطلاق في الغابات المجاورة مما اضطرهم إلى العودة مكسوري الجناح إلى غابتهم ‘ليكونوا عيداً للثعالب ‘التي سمنت من أكلهم.
أُضيف إلى الديك الأفرق أعباء جديدة لا تتناسب مع كبر سنه ‘ أصبح مسئولاً مع من بقي من الديَكة في الحظيرة عن العملية التناسلية لتفادي شبح الانقراض و لإنتاج البيض الذي أصبح المصدر الوحيد الذي تعتمد عليه الحظيرة في التعاملات التجارية ‘ فهو عصب اقتصادها ‘ و برغم أن عملية إنتاجه قد قلت نتيجة هذه الظروف إلا أن الطلب عليه قد زاد فأصبح سعره جيداً.
تذمرت إناث الدجاج من ندرة العملية التناسلية و أصبحت الحاشية من الدجاج هي التي تستأثر بذلك دون غالبية الدجاج اللاتي حُرمن ذلك ‘مما شجع عُسيق على إفشاء اتصالات شاذة بينهن‘ مما ساعد على فساد الأخلاق العامة للحظيرة .
لم يعد عُسيق يكتفي بأكل شباب الديَكة بعد أن قل عددهم بل أصبح يأكل كل ما يجد من أفراد الحظيرة.
جعل الدجاجُ يُنظم نفسه في سِرية تامة بعيدًا عن حاشية الديك الأفرق ‘حتى لا تتم تصفيتهم جسدياً بتهمة الخيانة العظمى ‘ تدارسوا خطر الانقراض المُحدق بهم . أصبحت الضرورة تقضى بعمل شي ضروري لإنقاذ الوضع و لكن بما يجنب المزيد من الضحايا فيما بقى من الديَكة .
ذات يوم عندما كان الديك الأفرق في مجلسه المعتاد معتلياً عرشه و قد لبس حلة زاهية الألوان ‘ مصنوعة من الحرير الخالص ‘ زادته خيلاء ‘ كان يستمع إلى المزيد من قصائد الإطراء و المديح التي تُؤلهه ومن حوله حراسته من الإناث اللاتي يشبعهن تنظيرا‘ و هو ينظر إليهنَ من طرفي عينيه اللتين يكاد يغمضهما أثناء حديثه‘ و يقطب جبينه الذي يزداد تعرجا حتى يبدو كمدرجات قاحلة . و بينما هو كذلك زاره عُسيق‘فقام الديك مرحبا بضيفة.
_ أهلا بعسيق …تفضل بالجلوس إلى جانبي
اتخذ عسيق موقعه بجانب الديك ‘غير انه ضاق ذرعا بما يُطرأ به الديك فقال للديك لأعيب في هذا الإطراء ولكن العيب انك تصدق ما يقوله هؤلاء الدجاج المغلوبون على أمرهم للحد الذي تعتقد بالفعل انك طاووس … ما هذه الملابس التي تشبه ملابس الطاووس.
- هل تريد مثلها ؟
- إنني لا أريد إلا أن أكون ثعلبا..وحسبي فخرا أن أكون كذلك ‘ لا أريد أن انتحل هوية غيري مثلك.
- أجل إنك لا تستحق أكثر من أن تكون ثعلبا محتالا.
- عليك أن تخبر حظيرتك بماذا احتلت عليك؟ … أخبرهم أن كان لديك قدرٌ من الشجاعة … كان الثعلب يقول ذلك بتهكم وهو ينظر إلى الدجاج من حوله وقد تبين أن ما على رؤؤسهن هي قبعات مخملية حمراء لا تيجان ديَكة.
- يؤسفني أنني أدركت مؤخرا خساستك.
- الخسيس هو من يتآمر على رعيته. كان الثعلب يقول ذلك وهو منفعل‘ ولم يكن الديك أقل منه انفعالا فقد انتفخت أوداجه‘ وتعرت شيخوخته .
جمع الديك بقايا شجاعته وقوته التي يستمدها ممن حوله ‘وقام بالهجوم على الثعلب مستهدفا عينه ‘ ولكنه لم يتمكن من ذلك. في حين هجم عُسيق على الديك الهرِم ‘ صاح الديكُ مستنجداً بحراسته التي التَفتَ إليها و لكنه لم يجدها بقدر ما وجد القبعات الحمر ملقيُ بها على الأرض حوله‘ أما الدجاج فقد هربنَ ‘ في حين أجهز عليه عٌسيق و التهمه .اتخم عُسيق من أكل الديك‘ حتى انه أصبح بطئ الحركة . هجمت عليه الحظيرة بشكل منظم وجماعي‘ ديكة ودجاج وفراخ وصيصان. حتى مات.
(1) تسمية حضرمية تطلق على الديك مفروق العرف ‘ متعدد الألوان وهو غالبا ما يكون شرس في القتال ويتزعم الحظيرة .
[2] الثعلب بلهجة أهل إب اليمنية
[3] هرب